إن الحياة مليئة بالأحداث والمفاجآت التي لا يمكن لأحد توقعها، و بالرغم من أهمية التخطيط و التنظيم وتأثيرهما الإيجابي في حياتنا إلا أنه في الكثير من الأحيان تكون قدرتنا على التأثير بالظروف المحيطة محدودة جداً و ذلك لأن الكثير من العوامل تكون خارج عن سيطرتنا. ومن هنا جاءت فكرة دائرة التحكم ودائرة المخاوف في علم النفس.

جميع الظروف والأحداث التي تقع في حياتنا تندرج تحت إحدى هاتين الدائرتين: دائرة القلق أي الأشياء التي لا يمكننا تغييرها، ودائرة التحكم: أي الأشياء التي يمكننا تغييرها.

إن الإنسان الناجح والذكي يقوم بالتركيز في حياته على دائرة التحكم، فهو لا يضيع وقته في التفكير بما لا يمكن التأثير به، بل يعطي كامل اهتمامه وتركيزه إلى العوامل التي يمكنه تغييرها.

لهذا المبدأ أهمية خاصة في عالم التداول، فبسبب محدودية رأس المال والوقت والمعلومات المتاحة للمتداول فمن الأفضل التركيز على النقاط التي يمكن للمتداول التحكم بها و الابتعاد عن كل ما هو خارج دائرة التحكم.

مثال على ذلك صدور بيانات اقتصادية سلبية تؤثر في الأداة المالية التي ترغب في التداول عليها. هذا الحدث يقع خارج دائرة التحكم فلا يمكن لأي متداول التأثير بهذه الأرقام. ولكن بالمقابل يمكن للمتداول التركيز على العوامل التي يمكنه التحكم بها في هذا السيناريو مثل نسبة المخاطرة وحجم الصفقة التي يمكنه الدخول بها ومعدل الربح إلى الخسارة.

هناك الكثير من الأمثلة التي تتناول مبدأ التركيز على الأشياء التي يمكنك التحكم بها في عالم التداول. من أشهر هذه الأمثلة التحكم بمشاعرك في هذا السوق. مما لا شك فيه أن تكبد الخسائر هو أمر مزعج ولا أحد يرغب به، إلا أن الخسائر أمر محتوم في عالم التداول فحتى أشهر المستثمرين والمحللين الفنيين في العالم يتعرضون لخسائر بين الحين و الآخر.

لا يمكن لأحد التحكم في حركة السوق أو محو الخسائر من الحساب بشكل سحري، ولكن يمكنك التحكم بردة فعلك تجاه هذه الخسائر. فالمتداول الناجح لا يغضب ولا ينفعل عند تحرك السوق بعكس اتجاه صفقته، بل يحافظ على هدوئه من أجل اتخاذ قرارات موضوعية و عقلانية و تجنب المزيد من الخسائر. الصفقات الخاسرة هي دروس يمكن التعلم منها لتجنب تكرارها في المستقبل. هذه هي عقلية المتداول الناجح.

بعد أن تحدثنا عن بعض أهم العوامل التي لا يمكن للمتداول التحكم بها في الأسواق فمن الضروري الآن وضع إطار عمل مناسب يضمن لنا التركيز على دائرة التحكم لتحقيق أهدافنا في كسب الأرباح من سوق المال. إن العنصر الأهم في دائرة التحكم هو استراتيجية التداول.

استراتيجية التداول هي مجموعة من القواعد والشروط التي يتوجب توافرها في السوق قبل الدخول في أي صفقة. تحتوي استراتيجية ‏شهر او شهر ونص تقريبا التداول على النمط السعري الذي يعطي دلالة معينة على الحركة القادمة في السوق، إضافة إلى نسبة المخاطرة المفضلة و نقاط الدخول و الخروج للصفقة. قد تحتوي بعض استراتيجيات التداول على نقاط إضافية ولكن هذه النقاط الثلاثة سابقة الذكر هي الأهم.

من العناصر المهمة جدا أيضاً في دائرة التحكم سيكولوجية المتداول. إن مشاهدة التقلبات الشديدة في رصيد الحساب أمر يثقل كاهل أي شخص. وعدم السيطرة على ردة الفعل تجاه هذه التقلبات قد يكون أمراً مكلفاً جدا. لذلك من الضروري أن يحافظ المتداول على هدوءه و يحافظ على التزامه باستراتيجية التداول و قراءة السوق بموضوعية بشكل مستمر. قد تبدو هذه المهمة صعبة في البداية، ولكن مع الممارسة و مشاهدة الكورسات المناسبة وقراءة المقالات التي تتحدث عن سيكولوجية التداول يمكن الوصول إلى مستوى عال من الثقة يجعل المتداول أكثر هدوءاً و قادراً على السيطرة على مشاعره و بالتالي تحقيق أرباح و أداء أكثر استقراراً.